هل يتجرّع مبارك السُم على طريقة جورينج؟!!

أعتقد كثيراً في مقولة كارل ماركس بأن “التاريخ يعيد نفسه؛ في المرة الأولى تكون مأساة تراجيدية، وفي المرة الثانية يكون الأمر أشبه بمسرحية هزلية”. والأدلة على ذلك كثيرة، بدءًا من صعود وانهيار القوى العظمى والإمبراطوريات على مدار العصور، وصولاً بالأباطرة والقادة العسكريين وزعماء الأمم من الطغاة والديكتاتوريين، الذين غالباً ما يسلكون الطريق نفسه؛ صعود وارتقاء سريع لسُلّم الحُكم حتى الوصول لقمة المَجد، قبل الانحدار والانهيار وزوال ذلك المَجد، وأحياناً ينتهي الأمر بإذلال وانكسار كبيرين لا يستطيع المرء أن يَهرب منهما إلى أن يوارى الثرى.

لا أعرف لماذا بعد أن رأيت على شاشات التلفاز إذاعة جلسات محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك وهو خلف القضبان، لا سيما عندما نَطق بجملته الشهيرة في الجلسة الأولى التي تسابقت وسائل الإعلام المختلفة إلى إبرازها وتحليلها “كل هذه الاتهامات أنا أُنكرها كاملة”، ردّاً على سؤال القاضي له عن رأيه في الاتّهامات الموجّهة إليه، وجدتني أعقد مقارنة بين هذه المحاكمة التي انقضت منها جلستان حتى الآن، وبين محاكمة الأب الروحي لجهاز البوليس السري الألماني جيستابو، والحديث هنا موجّه للقيادي النازي هيرمان جورينج وخليفة هتلر الذي عيّنه الأخير بنفسه ليكوّن ثاني أقوى رجل في ألمانيا بعد الفوهرر.

لمن لا يَعرف جورينج فهو يُعد واحداً من أبرز القادة النازيين في الحرب العالمية الثانية، ويُعتقد بأنه تلقى أوامر مباشرة من هتلر للقيام بالإبادة الجماعية لليهود فيما يُعرف بـ”الهولوكوست”. وكان جورينج قد ارتقى سُلم المناصب ليُصبح من مجرد طيار في منتصف عام 1915 إلى قائد عام لسلاح الطيران في عام 1938،  قبل أن يُعيّنه هتلر نائباً له وخليفة من بعده في عام 1941، ليُصبح أحد أقوى الرجال في دائرة صُنع القرار في ألمانيا النازية وقتذاك. وفي إبريل من عام 1945 يهرب جورينج من ألمانيا إلى النمسا بطائرة محمّلة بالعديد من الكنوز التي لا تقدّر بثمن، ويُسلّم نفسه للجنود الأمريكيين قبل أن يُحاكم في نوريمبرج على جرائمه، وأخيراً يُصدر حكم بإعدامه شنقاً، ولكنه يُسارع بتجرّع السُم ويموت قبل يوم واحد من إعدامه.

عناصر التشابه بين مبارك وجورينج كثيرة، ومنها الآتي:

أولاً: كلاهما كان رجلاً عسكرياً، وبالتحديد طياراً مقاتلاً، قبل أن يُعيّن كل واحد منهما قائداً للقوات الجوية؛ جورينج في عام 1938 ومبارك في عام 1972، أي بعد 34 عاماً من تولّي القيادي النازي للمنصب نفسه. ارتقى كل منهما سُلم المناصب، ليُصبح مبارك نائباً لرئيس الجمهورية أنور السادات في عام 1975، وقبله بـ34 عاماً أيضاً (لاحظوا المفارقة)، أي في عام 1941، عُيّن جورينج نائباً لهتلر في جميع مناصبه وخليفة للفوهرر. ولكن كان هذا أعلى منصب يتقلّده جورينج حيث تدنت مكانته سريعاً بعد ذلك في التسلسل الهرمي للنظام النازي حتى إن هتلر قبل انتحاره وإسدال الستار على الحرب العالمية الثانية قد جرّده من رتبته العسكرية واتهمه بالخيانة العظمى، في الوقت الذي بات فيه مبارك رئيساً لمصر في عام 1981 عقب اغتيال السادات.

ثانياً: هرب جورينج بكنوز عظيمة لا تُقدّر بثمن تخصّ الأمة الألمانية في إحدى الطائرات من برلين إلى النمسا في إبريل من عام 1945، قبل أن يستسلم للجنود الأمريكيين في 9 مايو من العام نفسه، معتقداً بأنه قد يتفاوض مع الحُلفاء بوصفه أعلى سياسي ألماني منصباً في ذلك الوقت، ولكنه يُقتاد إلى محاكمة بمدنية نوريمبرج الألمانية عُرفت باسم “محاكمة نوريمبرج” في نوفمبر ليكون هناك أبرز مُعتقل في هذه المحاكمة بوصفه الرجل الأول في ألمانيا النازية على قيد الحياة بعد انتحار الفوهرر، علماً بأن “محاكمة نوريمبرج” ضمت سياسيين وقادة وضُباط نازيين آخريين من النظام البائد. أما عن الرئيس المصري السابق حسني مبارك، فتنحّى عن الحُكم بعد احتجاجات شعبية ضخمة في 11 فبراير من عام 2011، وظنّ بأن دوره انتهى عند هذا الحدّ لينعم بما تبقّى له من حياة على ظهر الأرض بمنتجع شرم الشيخ الذي اعتاد فيه أن يستقبل الملوك والرؤساء سابقاً. ولكن، في 3 أغسطس من العام نفسه، قٌدّم مبارك للمحاكمة بدوره بتهمة التربّح واستغلال النفوذ وقتل المتظاهرين إبان الثورة التي اندلعت شرارتها في 25 يناير، والتي تُعرف باسم ثورة 25 يناير. وكانت تقارير شتى من مطبوعات وجرائد أجنبية قد أفادت بأن ثروة مبارك تُقدّر بمليارات الدولارات، والتي نجح في نهبها من الشعب المصري طوال سنوات حكمه الثلاثين.

ثالثاً: لم يَكن قرار اختيار مدينة نوريمبرج للمحاكمة عشوائياً، بل للعديد من الأسباب، أهمها لأنها تضمّ قصر العدالة الفسيح للغاية وواحداً من المباني القليلة التي لم تتأثر كثيراً بقذائف الحُلفاء الكثيفة على ألمانيا، فضلاً عن أن هذا المكان كان مسرحاً للعديد من احتفالات الحزب النازي وكان يُعقد فيه سنوياً مراسم العروض العسكرية الضخمة للدعاية عن قوة الجنود الألمان، لذا اختاره الحُلفاء ليكون رمزاً كذلك يُعبّر عن أفول تلك الحقبة. وبالمثل، جرى اختيار أكاديمية الشرطة المصرية لمحاكمة الرئيس السابق لعدّة أسباب، أهمها سهولة تأمينها كما أن بعض مدرّجاتها واسع للغاية، وفوق هذا وذاك، مجدّداً تُعد رمزاً لانهيار النظام السابق؛ حيث كانت تُدعى سابقاً أكاديمية مبارك للأمن، واعتاد فيها الرئيس السابق مشاهدة العروض العسكرية لخريجي الأكاديمية سنوياً، وتقليدهم الأنواط والنياشين.

رابعاً: وعلى طريقة الرئيس المصري السابق حسني مبارك وإنكاره التام لكافة التُهم الموجّهة إليه، أنكر جورينج بشدّة كافة التهم التي وجّهتها هيئة المحكمة المشكّلة من قضاة دول الحُلفاء، بل وذهب القيادي النازي إلى أن كل ما فعله كان انطلاقاً من وطنيته الشديدة، وأنه لم يَكن يوماً مُعادياً للسامية. والأغرب ان جورينج بدى ثابتاً رابط الجأش طوال أيام محاكمته، حتى إنه أفحم النائب العام الأمريكي روبرت جاكسون أكثر من مرة، ليبدو أمام الجميع وكأنه منتصر في تلك المحاكمة. ولكن، ومع انتهاء المحاكمة، وُجد جورينج مُذنباً، وحُكم عليه بالموت شنقاً. والتمس جورينج من القضاة أن يُعدم رمياً بالرصاص كالجنود لا شنقاً كالمجرمين، ولكن طلبه قوبل بالرفض. وأخيراً، قرّر خليفة هتلر أن يُنهي الفصل الأخير من حياته بنفسه، وابتلع أقراص السيانيد السامة ليموت في 14 أكتوبر 1946، أي قبل يوم واحد من إعدامه.

 

والسؤال المهم هنا، إذا ما جرت إدانة مبارك في قضية قتل المتظاهرين في ثورة 25 يناير، وهي جريمة عقوبتها الإعدام شنقاً وفقاً للعديد من المصادر القضائية، هل يتجرّع الرئيس السابق السُم عوضاً عن الإعدام شنقاً كالمجرمين، لينهي حياته بنفسه على طريقة جورينج، أم يستسلم لقدره وما جنته يداه؟!

No Comments
  1. Nesreen Ghareeb says

    عفوا اخي كاتب المقال جورينج تسلم ايديه قتل من احفاد الخنازير كثيرا على الاقل اللي قتلهم يهود كل العالم بيكرهم والكتب المقدسة لعنتهم اما حسني فقتل شعبه خير اجناد الارض لعنة الله عليه ولو انتحر فالى جهنم ان شاء الله

  2. زهرة الوادى says

    ماعتقدش.. اولا لان مبارك مش هايتحكم علية بالاعدام.. نبقى عبط لو صدقنا التمثيلية دى.. دول ماعرفوش يعدموا هشام طلعت مصطفى ودة رجل اعمال عادى.. فكرك هايعدموا مبارك ولا العادلى ؟؟؟ ثانيا لان مبارك جبان وخواف.. فى اسوء الظروف لو صدر حكم الاعدام اللى اكيد هايبقى شكلى. فهو هاينتظر محامية لما يقوم بأستناف فى التانى فى التالت لغاية امر ربنا مايجى.. لكن انتحار.. صعب اوى مع الشخصية العنيدة دى.

Comments are closed.