حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ أَبِي صَالِحٍ الزَّيَّاتِ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ فتح الباري بشرح صحيح البخاري.
يقول الدكتور محمد راتب النابلسي: أما فرحة يوم يفطر: بأن الله أعانه على أن صام هذا الشهر, فإذا دخل شوال, انتهى الصيام وبقي الأجر والغفران، والذي أفطر في رمضان في واحد من شوال يأكل مع الناس، ولكنه تحمل الخيبة والخسران، فالطاعة تمضي مشقتها، ويبقى أجرها، والمعصية تمضي لذتها، ويبقى وزرها، الطاعة تمضي متاعبها ويبقى أجرها، والمعصية تمضي لذتها ويبقى وزرها.
وإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح ، فإذا امتنعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر ، فرحت بإباحة ما منعت منه
فإن كان ذلك محبوبا لله كان محبوبا شرعا ، والصائم عند فطره كذلك
كما أن الله تعالى حرّم على الصائم في نهار الصيام تناول هذه الشهوات ، فقد أذن له فيها في ليل الصيام ، بل أحب منه المبادرة إلى تناولها في أول الليل وآخره ، فأحب عباده إليه أعجلهم فطرا ، والله وملائكته يصلّون على المتسحرين ، فالصائم ترك شهواته لله في النهار تقربا إلى الله وطاعة له ، وبادر إليها بالليل تقربا إلى الله وإطاعة له ، فما تركها إلا بأمر ربه ، لا عاد إليها إلا بأمر ربه ، فهو مطيع له في الحالين ، ولذا نُهي عن الوصال في الصيام ، فإذا بادر الصائم إلى الفطر تقربا إلى مولاه ، وأكل وشرب وحمد الله ، فإنه ترجى له المغفرة أو بلوغ الرضوان بذلك .
وأما فرحه عند لقاء ربه فيما يجده عند الله من ثواب الصيام مدّخرا ، فيجده أحوج ما كان إليه ، كما قال تعالى (( وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا )) وقال تعالى (( يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا )) .
قال سفيان بن عيينة : إن ثواب الصيام لا يأخذه الغرماء في المظالم ، بل يدّخره الله عنده للصائم حتى يدخله به الجنة .
والمؤمن حينما يأتيه ملك الموت, لكرامته عند الله: يريه الله مقامه في الآخرة فيقول: لم أر شراً قط، قد يكون عانى في الدنيا ما عانى، وقد ساق الله إليه أكثر أنواع البلاء؛ من مرض، ومن فقر، ومن ضيق، ومن شدة، ومن تحمل متاعب، فإذا رأى مقامه في الجنة يقول: لم أر شراً قط، وهذا الكافر الذي أمضى حياته في المتع الرخيصة وفي اللذائذ، وكان منغمسًا إلى قمة رأسه, نسي المعاصي والآثام حينما يرى مكانه في النار، يقول: لم أر خيراً قط، فالطاعة تمضي، والمعصية تمضي، لكن الطاعة تمضي متاعبها، ويبقى أجرها وثوابها، والمعصية تمضي لذتها، ويبقى وزرها وشقاءها.
الله عز وجل مكننا بفضله تعالى من صيام هذا الشهر، ومن قيامه، ونرجو الله أن يكون هذا الصيام وهذا القيام مقبولاً عند الله عز وجل، فالعبرة بالقبول
Next Post
Comments are closed.